موضوع: أقرب طريق إلى الله الأربعاء فبراير 20, 2013 5:24 pm
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله,
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أما بعد،
إخوتي الكرام، أحببت جدا أن أشارككم بموضوعي اليوم ، راجيا منكم الدعاء لي بالخير وراجيا من الله تعالى القبول. كما أدعوكم لتقرؤوا هذه الكلمات بتمعن وتفكر، صدقوني إن لم تستفيدوا منها ، فأكيد لن تخسروا شيئا لأنها لن تأخذ من وقتكم الكثير ، فاستعينوا بالله وتوكلوا عليه وقولوا باسم الله واقرؤوا حتى النهاية.
أيها الإخوة الكرام الأفاضل ، موضوعنا اليوم هو أساس الطريق إلى الله تعالى, إنه طريق القبول من الله جل جلاله. يقول تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } سورة المائدة, الآية 27 .
قبل أن أكتب هذه السطور، كنت أكلم والدتي التي عادت من زيارة إلى جارة لنا توفي عنها زوجها قبل أيام، فأخبرتها عن سكراته الأخيرة ، صدقوني حين سمعت منها تملكتني قشعريرة قوية في جسدي, وكأنني لأول مرة أسمع عن الموت. لقد أخبرتها أنه في لحظاته الأخيرة كان ينادي إبنه الجالس بجنبه ويرفع يديه نحوه كأنه يستنجد به من هول ما يرى. الإبن كان مصدوما لا يعرف كيف يساعده . لا يعرف ماذا يفعل من أجله. وما عساه يفعل.؟ّ؟... إنه الموت . نعم إنه الموت. لقد كان أقرب إليه من إبنه. ألم يقل تعالى في سورة الواقعة: ّ{﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فمن ذا الذي يستطيع إرجاع النفس إلى الحياة حين يأتي الأجل؟
أيها الأحبة: ماذا أعددنا لهذه اللحظة؟ هب أنك ستموت غدا. أو بعد غد. أو حتى بعد سنوات. هل تجهزت لهذا اليوم بما فيه الكفاية؟ هل ستستقبل الموت باطمئنان ولن تنادي ابنك أو زوجك أو أمك أو أباك؟ هل ستختار كما اختار الحبيب صلى الله عليه وسلم في لحظاته الأخيرة كما جاء على لسانه: " بل الرفيق الأعلى" ؟ . أخي الحبيب ، هل بدأت فعلا في التزود لهذا اليوم؟ إن لم تبدأ بعد، فماذا تنتظر؟
ابدأ من اليوم على بركة الله. توكل على الله فهو حسبك.
يقول تعالى في سورة البقرة آية 197: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }
ويقول في سورة آل عمران آية 102 : { ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) }
نعم اخي الحبيب . ربك يرشدك إلى خير الزاد . ربك يدلك على خير ما تلقاه به. إنه التقوى.
فما معنى التقوى؟ وكيف نتقي الله؟
إخوتي الكرام الأفاضل . لا يخفى عليكم قول الإمام علي كرم الله وجهه في تعريفه للتقوى إذ يقول:
(( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل )).
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في تعريفه لتقوى الله:
(أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.) وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسى: ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها
إخوتي المؤمنين: طريق التقوى أن تعرف الله، أن تعرف ماذا ينتظرك من سعادة أبدية إذا أرضيته، وأن تعلم علم اليقين ماذا ينتظر العاصي إذا هو عصاه.
ماالذي يسرع الخطى نحو التقوى؟
من الوسائل الفعالة التي تسرِّع الخطى إلى التقوى، أن تكون صادقاً مع نفسك، وصادقاً مع ربك، وصادقاً مع الآخرين، فلا يستقيم إيمان عبد، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة، مِنْ رضوان الله، لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة، من سَخَط الله، لا يُلْقِي لها بالاً ، يهوي بها في جهنم ))
[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ]
وتذكرون أن من جملة ماقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذ رضي الله عنهٍ:
(( ... قال: كُفَّ عليك هذا، وأشار إلى لسانه قلتُ(معاذ): يا نبيَّ الله، وإنَّا لمؤاخذونَ بما نتكلم به؟ قال: ثَكِلتْك أمُّك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال: على مَناخِرهم، إلا حصائدُ ألسنتهم؟ ))
[ من حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]
أحبابي الأفاضل:
الطرائق إلى الخالق والحمد لله كثيرة كثيرة جدا
إن الأعمال الصالحة التي بين أيدي الناس، التي يصلون بها إلى الله، لا تعد ولا تحصى، وأنت في البيت يمكن أن تصل إلى الله: إذا كنت أباً كاملاً، ربيت أولادك على طاعة الله، ربيت بناتك على الحشمة. إن كنتِ في البيت، وربّيتِ أولادكِ، أيتها الأم، فهناك طريق إلى الله من البيت. إن كنت في عملك، ونصحت به المسلمين، تصل إلى الله من خلال عملك. قال تعالى:
والوسيلة: هي العمل الصالح، هي ضبط النفس، هي صحبة الصالحين.
إخوتي ، ألا يحب أحدنا أن يكون أكرم الناس؟ ألا نفرح حين نعلم أننا نحتل منازل رفيعة عند الناس؟ وحين يمتدحنا الناس في حضورنا وغيابنا؟؟؟
فكيف بنا إن كنا كذلك عند رب الناس أجمعين؟ ألم يقل سبحانه وتعالى في سورة الحجرات آية 13: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ؟ نعم. إذا أردت أن تكون أكرم الناس، اتق الله
أيها الإخوة الكرام، التقوى: أن تتقي الكفر بالإيمان، أن تتقي الشرك بالتوحيد، أن تتقي الرياء بالإخلاص، أن تتقي الكذب بالصدق، أن تتقي الغش بالنصيحة، أن تتقي المعصية بالطاعة، أن تتقي الابتداع بالاتباع، أن تتقي الشبهة بالورع، أن تتقي الدنيا بالزهد فيها، أن تتقي الغفلة بالذكر، أن تتقي الشيطان بالعداوة.
يقول الشافعي رحمه الله:
تزود من التقوى فإنك لا تـــدري إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر؟ فكم من فتى أمسى وأصبح ضـاحكاً وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبـر وكـم من عروس زينوها لزوجـها وقــد قبضت أرواحهم ليلة القدر
فلنتزود ليوم الرحيل فإنه قادم لا محالة ، قريب غير بعيد، حق لا شك فيه .
يقول جل وعلا في سورة البقرة آية: 281: { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281)}
وبهذا القدر كفاية. أستسمحكم على الإطالة. أكرر رجائي منكم بالدعاء لي من قلوبكم برضى الله عني وعن والدي ووالدتي وأهلي وأحبابي وعنكم جميعا. جزاكم الله خيرا . وجعلني الله وإياكم من المتقين. آميــن.