ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ...
ينبغي على العاقل اللبيب ألاَّ يقنع بما عليه حاله، بل ينزع إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أرقى وأسمى وأنفع، فكلما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها في غير ركون إلى الدنيا أو مخالفة لشرع ربه . وإذا كان الأمر كذلك فإنه لن تكون له غاية دون الجنة، فقد قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عن نفسه : " إن لي نفسًا تواقة (تشتاق إلى الشيء) لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نالتها تاقت إلى الخلافة، فلما نالتها تاقت إلى الجنة". وهذا هو الطموح: أن تتطلع النفس إلى ما هو أكمل وأحسن وأسمى. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الأمة دائمًا على تطلب المعالي والتنزه عن الدنايا، فها هو يقول: " إن الله -تعالى - يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها ".
الفرق بين الطموح وعلو الهمة مما لا شك فيه أن الطموح وعلو الهمة يشتركان في الهدف وهو تطلب معالي الأمور، غير أنهما يختلفان في الباعث والوسيلة، فإن الباعث في علو الهمة قد يكون الأنفة من خمول الضعة، أو دفع مهانة النقص، أما الباعث على الطموح فهو نزوع النفس دائمًا نحو الأعلى، وأما من حيث الوسيلة فإن علو الهمة لا يسلك بصاحبه إلا الدروب الشريفة الموافقة لشرع رب العالمين، بينما نجد أن الطموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلو والإسراف.
والذي لا شك فيه أيضًا أن صاحب الطموح إن لم يبذل جهذه للوصول إلى غايته، فهي مجرد أماني، لكن الطَّمُوح حقًا هو الذي يسعى لنيل ما يريد، بل ويُتعب نفسه في هذا: وإذا كانت النفوس كبارًا.. .. ..تعبت في مرادها الأجسامُ وما أحسن ما قال بعضهم: لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا.. .. ولا يـنال العـُلاَ مــن قـدَّم الحـذرا ومـن أراد العــُلا صـفـوًا بـلا كَــدَرٍ.. .. قَضَى ولم يقضِ من إدراكه وَطَرا إن معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره؛ ولهذا قال معاوية -رضي الله عنه- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: " من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته ". وكان عمرو بن العاص يقول: " عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " . يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.
طموح الشرفاء والأكابر إن الكبار دائمًا يتطلعون إلى المعالي ويتنزهون عن السفاسف والدنايا؛ لذا تجدهم طامحين إلى: 1-الاستزادة من العلم: لما علموا أن العلم أرفع المقامات التي تتطلع إليها الهمم، وأشرف الغايات التي تتسابق إليها الأمم بذلوا فيه أوقاتهم وأموالهم، ولم يضيعوا بما وصلوا إليه، وقد تحملوا في سبيل ذلك الشدائد والصعاب من شظف العيش وخشونته، والغربة عن الأوطان والأهل ومجافاة النوم واللهو، حتى كان الواحد منهم يرحل من بلده إلى بلدٍ آخر طلبًا لحديث واحدٍ، بعزم لا يبلى، وحرصٍ على الاستفادة من كل لحظة.
2- الشهادة: لما علم أصحاب الهمم العالية بما أعده الله تعالى لمن يموت في سبيله شهيدا تسابقوا إليها، ولم يؤثروا غيرهم بها، فقد أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يوم أحدٍ لأخيه: " خُذ درعي يا أخي، فقال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد فتركاها جميعًا " . وهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعقر فرسه ويقاتل القوم وهو يقول: يا حـبذا الجـنةُ واقترابـُها.. .. ..طـيبة وباردٌ شـرابُها والروم رومٌ قد دنا عذابها.. .. ..كـافـرٌ بعـيدةٌ أنسابُها عليَّ إذ لاقيتها ضرابُها حتى قتل في سبيل الله رضي الله عنه.
3-الطموح إلى الجنة: فقد قيل للعَتَّابي: فلانٌ بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غايةٌ دون الجنة " . فكل غاية دون الجنة فهي بالنسبة إليها حقيرة. ولا يمنع ذلك من طموح إلى الترقي في أمور الدنيا مع الالتزام بشرع الله والوقوف عند حدوده واستصحاب النية الصالحة في ذلك كل