منتديات IARKANI
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات IARKANI


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل
IARKANI أهلا بكم زوار وأعضاء ومشرفين وإداريين في منتداكم المفضل

 

  مساعدة الفقراء و المساكين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 مساعدة الفقراء و المساكين Empty
مُساهمةموضوع: مساعدة الفقراء و المساكين    مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 19, 2013 1:24 am




السلام عليكم و رحمة من الله تعالى و بركاته

https://www.youtube.com/watch?v=u3ID_DFNeFE





الحمد لله الذي أمَر عباده بالإحسان إلى الضُّعَفاء والمساكين، وأشاد ذكرهم، ورَفَع قدْرهم في كتابه المبين.

وأمر عبده ورسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يدنو منهم، ويجعلهم إليه منَ المقرّبين، وجعلهم في الدار الآخرة إلى النَّعيم من السابقين، وأشهد أن لا إله إلا الله، له على عباده الفضلُ المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي قال: ((إنما تنصرون وتُرزقون بالضعفاء والمساكين))، - صلى الله عليه وسلم - صلاة مستمرة إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين.

وبعدُ:

فإن الله - تبارك وتعالى - قال لنبيه محمدٍ - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: 28] الآية، وقال - تعالى -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام:52].

وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنَّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء، لا يجترئون علينا؛ يعنون أن هؤلاء الضعفاء الذين تجالسهم وتدنيهم لا نحب أن نجلس معهم، فتجعل لنا مجلسًا وحدنا خاصًّا معك، فوقع في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما وقع لحِرْصه على هدايتهم، فأنزل الله - تعالى -هذه الآية: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام:52] الآية.

فغالبًا الرؤساء والأشْراف والأغنياء والمُتْرفون، وأهل الحل والعقد، يُداخلهم من الكِبْر والعناد والغطْرسة وعدم قبول الحق ما لا يداخل غيرهم - والعياذ بالله - وهذا في كلِّ أمَّةٍ منَ الأُمم، فما وقف أمام دعوة الرسُل - عليهم الصلاة والسلام - وصار عقبة كؤودًا أمام الحق والدعوة إلَّا أولئك المُشار إليهم، يعلم ذلك مَن تدبَّر القرآن الكريم، أمَّا الضعفاء والمستضعفون والفقراء والمساكين فَهُم أول مَن انْقاد إلى الحقِّ، وأول مَن استجاب لدعوة الرسُل، فالله - تعالى - يعلم من يستحق الهداية ممن لا يستحقها، (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام:39]، وقال - تعالى -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53].

فالله - تعالى - لا ينظر إلى الصوَر، وحُسْن الأجْسام والأموال، إنما ينظُر إلى القُلُوب والأعمال، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، ولهذا قال هرَقل عظيم الروم لأبي سفيان: "مَن يتبع هذا النبي: أهُم الرؤساء أم الضعفاء؟ فقال أبو سفيان: بل الضعفاء، فقال هرقل: هكذا أتْباع الرسل".

فالله - تعالى - نوَّه بذِكْر ضعفاء المسلمين في غَيْر ما آية منَ القُرآن الكريم، ورفَع ذِكْرهم، وأعلى مقامهم، وأمَر العباد وحضَّهم على إيصال الخيْر والإحسان إليهم، وحثَّهم ورغَّبهم وَوَعَدَهُم على ذلك بالثواب الجزيل؛ قال - تعالى -: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]، وقال - تعالى -: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الإسراء:26].

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الراحمون يرْحمهم الرحمن، ارْحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء)) [أخرجه أبو داود والترمذي]، ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن لا يرحم مَن في الأرض لَم يرحَمْه من في السماء)) [رواته ثقات]، وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء))؛ روي مرفوعًا وموقوفًا، وعن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لا يرحم الناس لا - يرحمه الله -)) [أخرجه الترمذي].

وجاء في الحديث: هل لنا يا رسول الله في البهائم أجْر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم في كلِّ كبد رطبة حسنة))، والمرأة البغي التي غفر الله لها بسبب الكلْب الذي رأتْه يلهث ويأكل التُّراب منَ العطش، وأفراخ الحُمَّرة التي أخذها بعض الصحابة فجاءتْ أمها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترفرف أمامه حتى قال: ((مَن فجع هذه بأفراخها؟))، حتى ردها إليها - صلى الله عليه وسلم -.

وقد جاء أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يرى أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وهل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟!)).

وقد جاء الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من كان في عون أخيه كان الله في عونه))، وهذا عام يتناول إعانة كل مسلم، وخصوصًا الضعفاءَ منهم، كالأرملة، واليتيم، والمسكين.

فكم دفع الله عن المحسنين والراحمين للضُّعفاء واليتامى من بليةٍ، ووقاهم شرَّ كوارث وحوادث ورزية! فالله - تعالى - يحسن لمن أحسن على عباده، ولا يضيع لديه عمل عامل، فمَن عامَل عبادَه باللطْف والإحسان، وبذل المعروف، عامله الله كذلك، بل أحسن وأبقى وأفضل؛ ((الحسنة بعشرة أمثالها)).

فيا إخوة الإسلام، مَن أراد النَّجاة من النار، وعُلُو المنْزلة في الدار الآخرة، فليدخل على الله من باب الشفقة والإحسان على الضعفاء والمساكين، والأرملة، والأيتام، وذوي الحاجات، وليحسن إليهم بما يستطيعه، فإنَّ الله - تعالى -قريبٌ من المنكسرة قلوبهم، رحيم بمن يرحم عباده، لا يحقر شيئًا من المعروف ولو كلمةً طيبة؛ قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((لا تحقرَنَّ منَ المعروف شيئًا، ولو أنْ تلْقى أخاك بوجْه طلق)).

ذكر بعض ما ورَد منَ الآيات والأحاديث والآثار في الأيتام، وما ورد منَ الثواب العظيم والأجْر الجزيل لِمَن أحسن إليهم.

اليتيم: هو الذي فقَد والديه أو أحدهما، وهو الذي لا كاسب له، وليس له قوة يكتسب بها فاقد الجناح، فلهذا أكثر الله - تعالى -مِنْ ذكر اليتيم في كتابه العزيز، فوصَّى الله - تعالى -بالأيتام عباده، وحضَّهم ورغبهم في إيصال الخير والإحسان إليهم، وفرض عليهم في أموالهم حقًّا للأيتام والفقراء والمساكين، ولعظيم شأن اليتيم وشدة الاعتناء به من الرب الكريم ذكر عنه آيتين بلفظ واحد في سورتَيْن من القرآن الكريم، تتضمن النهي الأكيد، والتحذير الشديد عن تناول ماله، والابتعاد عنه إلا بالتي هي أحسن، حتى يبلغ أشده؛ قال - تعالى -: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام:152]، والآية الأخرى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:34].

وقال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10]، عند ذلك تحرَّج الصحابة - رضي الله عنهم - ممن كان عنده يتيم، فلحقهم الخوف الشديد، وانزعجتْ قُلُوبهم، إذ هم أهل القلوب الواعية، والهِمم العالية، والقلوب الخائفة من الله - تعالى -، حتى أنزل الله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة:220]، إلى قوله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة:220]، كان طاوس - رحمه الله - إذا سُئل عن اليتيم تلا هذه الآية: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

قال بعض السلَف: كُن لليتيم كالأب، وقال - تعالى -: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) [الضحى:9]، والنهي للنبي - صلى الله عليه وسلم - نَهْي لأمته، قال بعض المفسرين على هذه الآية: أي لا تسئ معاملة اليتيم، ولا يضقْ صدرُك عليه ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يُصنع بولدك من بعدك، وقال - تعالى -: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون:1 - 3] قال بعض المفسرين: هو الذي يدفع اليتيم بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه؛ وذلك لأنه لا يرجو ثوابًا، ولا يخاف عقابًا.

قلت: فإنه يُخاف على المسلمين ممن ابتلي بولاية يتيم أو أيتام من أن يقع منه عليهم زلاَّت، وغلظة كلام، وشدة وقساوة قلب، أو يتكلف عليهم في الأعمال وهم لا يتحملون ولا يطيقون، فالمؤمن الذي يخاف الله واليوم الآخر يجعل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في الأيتام نصب عينيه؛ لعله يسلم في دينه، ويحوز الثواب العظيم من ربِّه، ولخوف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه من ولاية اليتيم، قال لأبي ذر: ((يا أبا ذر، إنِّي أراك رجلاً ضعيفًا، فلا تأمرن على اثنين ولا تولين على مال يتيم)).

ومِنْ رَحْمة الله - تعالى - بالأيتام ولُطفه ورأفته بهم، أن جعل لهم نصيبًا من الفيء والغنيمة، ومن النفقات الواجبة على المسلمين والمستحبة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [البقرة:215].

وقد ورد في حديث صحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مسح رأس يتيم فله بكل شعرة تمرّ عليها يده حسنة))، وفي لفظ آخر: ((مَن مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله، كان له بكل شعرة مرَّتْ عليها يده حسنة))، فما أعظم هذا الثوابَ العظيم! وما أهون مؤنته!، وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا))، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما؛ [رواه البخاري].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتَيْن في الجنة))، فما أعظمه من ثواب! وما أجزله من فضل! فهل بعد هذا الفضل مِنْ ترغيب في الخير؟

قال ابن بطال - رحمة الله عليه -: "حقٌّ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به؛ ليكون رفيق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك".

وفي مسند الإمام أحمد - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال له: ((إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامْسَح رأس اليتيم))، وفي لفظ آخر حين شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه قال له: ((أَدْنِ منك اليتيم، وامسح رأسه، وأجلسه على خِوانك، يلن قلبك، وتقدر على حاجتك)).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ضم يتيمًا من المسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله، أوجب الله له الجنة، إلا أن يعملَ ذنبًا لا يغفر))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

وروى الإمام أحمد - رحمه الله - وغيره من طريق عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده، كنتُ أنا وهو هكذا في الجنَّة)).

وقال رجل لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: أوصني، قال: "ارحم اليتيم، وأَدْنه منك، وأَطْعِمْه مِن طعامك.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساءُ إليه))" [رواه ابن ماجه].

انظر - أيها الأخ المسلم - لعِظَم شأن هذا اليتيم عند الله، فإن للبقاع والمساكن التي يعيش فيها اليتيم تأثيرًا بالبركة، وتنزل الرحمة، ونمو الخير في الأهل والولد والمال، إذا كان هذا اليتيم يحسن إليه، وبضد ذلك إذا كان يُساءُ إليه.

وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهُمَّ إني أُحَرِّج حق الضعيفَيْن: اليتيم والمرأة)) [حديث حسن، رواه النسائي بإسناد جيد]، ومعنى: ((أُحَرِّج)): أُلحق الحرج - وهو الإثم - لِمَنْ ضَيَّع حقّهما.

وكفالة اليتيم هي: القيام بأموره، والسعي في مصالحه، من إصلاح طعامه، وكسوته، وتنمية ماله إن كان له مال، وإن لَم يكنْ له مال أنفق عليه أو كساه ابتغاء وجْه الله - تعالى -.

فالذي يكفل اليتيم ويتعَهّده، ويلاحظه ويؤدبه، ويهذب نفسه حتى تطمئن قلوب أقاربه إذا رأوه، وكأنَّ والده حي، لا يفقد مِن والده إلا جسمه، فجدير بكافِله هذا أن يكونَ له المكانة العالية عند الله - تعالى -، وكان جديرًا بأن يكونَ مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، يتمتع بما فيها من النعيم المقيم، كما قام بما وفقه الله له من رعاية هذا اليتيم؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ففي هذا ترغيب في كفالة الأيتام، والعناية بأمورهم، فلهم حق على المسلمين؛ سواء كانوا أقارب، أو غير أقارب.

فيا عباد الله، ويا مَن يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه، وأراد المنزلة العالية عند الله والفضل الكبير، والكرامة الأبدية، والأمن من جميع المخاوف يوم يلقى ربه، فلْيكرم اليتيم، وليحسن إليه، وليُدخل السرور والفرَح عليه، وليفعل معه الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ احتسابًا لما عنْد الله، وثقة بوعْده - تعالى -الذي رتَّبه على الإحسان إليه؛ فإنَّ الأيتام لهم حقٌّ كبير على المسلمين، وبالأخص الأغنياء والأثرياء منهم، ومَن عرفهم وعرف حالهم ومنازلهم فعليه من الحق والواجب أكثر من غيره، فمَن أحَب أنْ يدوم الله له على ما يحب، ويندفع عنه ما يكره في نفسه وولده وماله، فليُدم الإحسان إلى الأيتام والأرامل والمساكين، وليصحبْ في إحسانه الإخلاص والنية الصالحة؛ فقد ورد في أثرٍ: ((إذا أردت أن يدومَ الله لك على ما تحب، فدمْ لله على ما يحبه منك))، ومما يحبه منك الإحسان إلى الضعفاء من المسلمين، وتفقّد أحوالهم، ودفْع الضرر عنهم.

وقد ورد مِن حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قلتُ: يا رسول الله، ممَّ أضْرب منه يتيمي؟ قال: ((مما كنت ضاربًا منه ولدك، غير واقٍ مالك بمالِه)).

وقال السُّدِّي - رحمه الله - في قولِه - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10]، قال: "يحشر آكل مال اليتيم ظلمًا يوم القيامة ولهب النار يخرج مِن فيه، ومن مسامعه، وأنفه، وعينه، كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم"، نسأل الله العافية والسلامة.

وبما أن الأيتام الآن منتشرون في الأرض بكثْرة لا تخلو بقْعة إلا ويوجد فيها يتيم أو أيتام في كل حي من الأحياء، في حاضرةٍ وبادية، والغالب عليهم محاويج وفقراء، ولكنني أرى الكثير منَ المسلمين في غفلة عن هؤلاء، وفي حقهم متساهلين ومقصرين، مع ما يتلون، ذكرهم يتكرر على أسماعهم في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالواجب على المعروفين والمخصصين بتوزيع الصدقات والزكوات من قبل أولياء الأمور أن يجعلوا لهؤلاء الأيتام نصيبًا وافرًا، ومزيدًا في الاستحقاقات عن غيرهم، بحسب يُسرهم وعُسرهم، وكثرتهم وقلتهم لدى كافلهم، فكل يعرف ما ينوب البيوت والعوائل من كثْرة النفقات ودقائق العازات من جميع ما تتطلبه البيوت.

كان الله في عون المسلمين، وفي عون مَنْ كان في عَوْنِهم.

وعند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي: أن عروة بن الزبير سأل خالته أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن قوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء: 3] إلى قوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء:3]، قالتْ: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليِّها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص صداقها، فنُهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن، قالتْ عائشة: فاستفتى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، فأنزل الله - تعالى -هذه الآية: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) [النساء:127]، فبيَّن الله لهم أن اليتيمة إذا كانتْ ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها، ولم يلحقوها بسنتها في إكمال الصداق، وإذا كان مرغوبًا عنها في قلة المال والجمال تركوها، فسبحان مَن قام بالقسط، وأمر به، ونهى عن الظلم وحرَّمه على نفسه!.

ما ورد مِن وُجُوب التصرُّف في مال اليتيم، وجواز الأكل منه، ووجوب إخراج الزكاة في ماله:

عن عائشة - رضي الله عنها - في قوله - تعالى -: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ): "أنها نزلتْ في ولي اليتيم إذا كان فقيرًا أن يأكلَ بالمعروف من مال اليتيم، فكان قيامه عليه وتصرفه في ماله"، وفي لفظ: "أنزلت في ولي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرًا أكل بالمعروف" [أخرجاهما].

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم فقال: ((كُلْ من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل))؛ [رواه الخمسة إلا الترمذي].

وفي سنن الأثرم عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرضه ويدفعه مضاربة.

فالواجب على مَن ابتلي بيتيم: أن يقفَ على الحد الذي أباحه له الشارع في الأكل من ماله ومخالطته؛ لأن الزيادة عليه ظلم يصلى به فاعله سعيرًا، ويكون من الموبقين؛ لأنَّ أكْل مال اليتيم من السبع الموبقات؛ نسأل الله العافية والسلامة.

في "الموطأ" عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "اتَّجِرُوا في أموال اليتامى لئلا تأكلها الزكاة".

وعن عبدالله بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تليني وأخًا لي يتيمين في حجرها، فكانتْ تخرج من أموالنا الزكاة، وعن مالك - رحمه الله - أنه بلغه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانتْ تُعْطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها.

وعن مالك عن يحيى بن سعيد أنه اشترى لبني أخيه - يتامى في حجره - مالاً، فبيع ذلك المال بعد بمال كثير.

وعن عمرو بن شعيب - رحمه الله - عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: ((ألا من ولي يتيمًا له مال، فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة))؛ [رواه الترمذي في سننه].

وعن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: إن في حجري أيتامًا، وإن لهم إبلاً، ولي إبل، وأنا أمنح من إبلي فقراء، فماذا يحل من ألبانها؟ فقال: "إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضر بنسل".

فرضي الله عن حبْر الأمة، ما أحسن هذه الفتوى! وما أقربها للصواب! وكان تلميذه طاوس - رحمه الله - إذا سُئل عن اليتيم قال: "الله يعلم المفسد من المصلح"، كما مرتْ مقالته - رحمه الله -.

ذكر ما ورد في فضل الضُّعفاء والمساكين والأرامل ومَن يعولهم، وما جاء في ذلك منَ الأَجْر العظيم والثواب الجزيل:

المساكين: هم الذين أسكنتهم الحاجة، وأذلّهم الفَقْر، فلهم حقٌّ على الأغنياء بما يدفع مسْكنتهم أو يخففها بما يقدرون عليه، وبما تيسَّر.

والأرملة هي التي مات زوجُها، ولها منه أولاد، أو لم يكن لها منه أولاد، فيطلق عليها الأرملة، فهي في أمسِّ الحاجة إلى مَن يقوم بسداد حالها، من نفقة، ومن قضاء حاجة مسكنها، وما ينوبها، فقد ورد عن المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه - في حق الأرامل والمساكين أحاديث كثيرة، فيها ترغيب وثواب عظيم لمن أراد الله به خيرًا، ووفقه للعمل بها؛ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) [آل عمران:30]، (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النبأ:40]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمُجاهد في سبيل الله))، وأحسبه قال: ((وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر)) [متفق عليه].

وعن صفوان بن سليم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النَّهار، ويقوم الليل)).

وقد أخرج أبو يعْلى مِن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني فأقول: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي))، ورواته لا بأس بهم.

وقد أخرج أبو داود من حديث عوف بن مالك يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، امرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على أيتامها حتى ماتوا أو بانوا)).

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: "دخلتْ عليَّ امرأة، ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتَيْها، ولم تأكل منها ثم خرجت، فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فقال: ((مَن ابتلي بهذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له سترًا من النار يوم القيامة))" [أخرجه الشيخان والترمذي].

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو))، وضم أصابعه، [أخرجه مسلم والترمذي].

وروى مسلم في صحيحه أيضًا عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن الله - تعالى - قد أوجب لها بهما الجنة، أو أعتقها بهما من النار))".

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما، إلا أدخلتاه الجنة)) [رواه الإمام أحمد في مسنده].

وعن أبي الدرداء عويمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ابْغُوني في ضُعفائكم، فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم)) [رواه أبو داود بإسناد جيد].

وذلك لأنَّ أسباب النَّصر والرِّزق والدِّفاع عن المسلمين وحُصُول البَرَكة والاطمئنان يحصل بسبب ضعفاء المسلمين، والعطف عليهم، ورحمتهم، والإحسان إليهم.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان له أنثى فلم يئدها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها - يعني الذكور - أدْخله الله الجنة)) [رواه أبو داود ومسلم].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عال ثلاث بنات أو مثلهن منَ الأخوات، فأدبهن ورحمهن حتى يفنيهن الله، أوْجَبَ الله له الجنَّة))، فقال رجل: أو اثنتين يا رسول الله؟ قال: ((أواثنتَيْن))، حتى لو قال: واحدة، لقال: واحدة".

وقد أخرج ابن ماجه في سننه، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عال ثلاثة من الأيتام، كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهرًا سيفه في سبيل الله، وكنتُ أنا وهو في الجنة أخوين كهاتَيْن، أختان))، وألصق إصبعه السبابة والوسطى.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس، تردُّه التمْرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس))، هذا هو المسكين على الحقيقة، وهو المراد ببحثنا هنا، وهو الذي نصَّ عليه الحديث، وهو الذي خشي عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورغب أمته في إيصال الخير والإحسان إليه؛ لأنه عفيف متعفف، ولم يرق ماء وجهه في السؤال والتطواف على الناس، بخلاف الذي تردُّه التمرة والتمرتان، فهذا قد أراق ماء وجهه، ورفع عن وجْهه جلباب الحياء، فمِثْل هذا لا يخاف عليه، بل ربما قد لا يقنعه شبعة بطن حتى يسأل الناس تكثُّرًا - نسأل الله العافية.

وهو الواقع اليوم مِنْ كثيرٍ منَ الناس، ثُم إنه لَمَّا كان لإطعام المساكين والتِماس ثواب الله بالإحسان إليهم موقعٌ من الإسلام كبير، وله تأثير في الأعمال في الدار الآخرة، حكى الله - تعالى - عن أهل النار في جوابهم لأهل الجنة عندما دار السؤال بينهم في الأسباب التي أوجبتْ لهم دخول النار قالوا: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) [المدثر:42 - 44]، فإطعام المساكين والإحسان إليهم من الأسباب الموجبة لدُخُول الجنة مع وجود التوحيد وبعد رحمة أرحم الراحمين، لا سيما وقت المساغب والمجاعة.

فعلى كل مسلم له سعة في المال أن يغتنمَ حياته، وأن يقدم لنفسه، وما قدمتْ يداه فسوف يجده أحوج ما يكون إليه.

وقد ورد في حديثٍ أو أثر: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضب الرب، وصلةُ الرَّحِم تزيد في العُمر)).

وعن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام - تدخلوا الجنة بسلام)) [رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح].

رُوي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: "كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - كنتُ إذا سألته عن مسألةٍ لَمْ يُجبني حتى يذهب بي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء، أطعمينا، فإذا أطعمتنا أجابَني، وكان يحبُّ المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه"، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين، فرضي الله عنه وأرضاه.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهُمَّ أحيني مسكينًا، وأمِتْني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة))، قال: فقالتْ عائشة: لِم يا رسول الله؟ قال: ((إنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفًا يا عائشة، لا تردِّي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة، أحبي المساكين وقربيهم، يقربك الله يوم القيامة)) [أخرجه الترمذي في سننه]، وقد استشهد به ابن تيميَّة في الفتاوى.

وروى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قمتُ على باب الجنة فكان عامَّة مَن دَخَلها المساكين وأصحاب الجدِّ محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أُمِر بهم إلى النار، وقمتُ على باب النار فإذا عامة مَنْ دخلها النِّساء)).

فيا إخوة الإسلام، إنَّ الشفقة والرأفة والرحمة على خلق الله - خصوصًا ضعفاءَ المسلمين، من يتيم، ومسكين، وأرملة - لها أثرٌ عند الله عظيم، ولها موقع في الحسنات ودفع السيئات، وتنزُّل الرحمة، ودفع النقمة، ولها أثر كبير في حسن الخاتمة عند الموت، وتنزل الملائكة بالبشرى والأمن من المخاوف، ودفع الحزن عما خلف؛ قال - تعالى -: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف:30]، وقال - تعالى -: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60].

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفَقَّد ضعفاء المسلمين؛ منَ الفُقَراء والمساكين، والأرامل، ويجالسهم، ويدنيهم إليه، ويحادثهم، ويسأل عنهم، ويصلهم بما يستطيعه من الإطعام وجَمْع النفقات.

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أهدي إليه هدية طعام أو لبن، أمر أحد أصحابه أن يدعو إليه أهل الصفَّة؛ لأنهم ضعفاء الصحابة، وهم ضيوف الإسلام، وهو - عليه الصلاة والسلام - القدوة الحسنة لأمته، ولهذا قال فيه عمه أبو طالب وهو في بدء الإسلام في أول البعثة:

وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** رَبِيعُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

فعلى كل مسلم أن يتأسَّى به وبصحابته - رضوان الله عليهم - فإنهم تأسَّوا بنبيهم، فعلينا أن نتأسى بهم، ونسير على منهجهم، ففيه الفلاح والسعادة.

وروى أبو داود والترمذي والنسائي، عن حواء بنت زيد بن السكن، وكانت ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: قلت: يا رسول الله، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئًا أعطيه إياه، قال: ((فإن لم تجدي إلا ظلفًا محرقًا، فادفعيه إليه في يده))، وفي رواية قال: ((ردوا المسكين، ولو بظلف محرقة)).

وعن عبدالرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هل منكم اليوم أحد أطعم مسكينًا؟))، فقال أبو بكر: دخلتُ المسجد فإذا أنا بسائلٍ فجئتُ البيت، فوجدت كسرة خبز في يد عبدالرحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه؛ أخرجه أبو داود.

وفي "الموطأ" عن مالك بن أنس - رحمه الله - بلغه عن عائشة - رضي الله عنها - أن مسكينًا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف، فقالتْ لمولاة لها: "أعطيه إياه، فقالتْ: ليس لكِ ما تفطرين عليه، فقالتْ: أعطيه إياه".

وفي لفظ آخر: "أنَّ مسكينًا استطعم أم المؤمنين عائشة وبين يديها عنب، فقالتْ لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالتْ: أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟!"، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقص مال من صدقة، أو ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبد لله إلا رفعه)) [أخرجه مسلم والترمذي].

وأخرج الطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بخصالٍ من الخير: أوصاني ألا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين، والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرًّا، وأوصاني أن أكثر مِنْ قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنْز مِنْ كنوز الجنة".

وروى البيهقي مِن طريق الأعمش عن نافع مولى ابن عمر قال: "مرض ابن عمر - رضي الله عنه - وعن أبيه - فاشتهى عنبًا أول ما جاء العنب، فأرسلتْ زوجته صفية فاشترتْ عنقودًا بدرهم فتبع الرسول الذي جاء به سائل، فقال: فقير سائل، فسمع به عبدالله، فقال: أعطوه إياه!".

فرضي الله عنهم، يتأولون القرآن ويعملون به وبما دل عليه من قوله - سبحانه -: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8].

والمسكين واليتيم كثيرًا ما يقرن الله بينهما في القرآن الكريم؛ لأن المسكين قد أقعده الفقر والمسكنة، فهو دائمًا يتطلع ويتشوق إلى ما يناله ويصله مِنْ إخوانه المسلمين المحسنين مادًّا يدي العجز والافتقار إليهم.

واليتيم - كما أسلفنا - قد انقطع من القائم عليه والعائل له، إلا من الله - تعالى -، ثم ما يناله من إخوانه المسلمين، ولهذا ذكر الله عباده بهم تارة بالأمر بالإحسان إليهم في قوله - تعالى -: (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الروم:38].

وتارة في سياق الثناء في قوله - تعالى -: (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) [البقرة: 177]، وقوله - تعالى -: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8].

ومَنْ تدَبَّر القرآن الكريم علِم أن للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل حقًّا على العباد في أموالهم، انظر ما جرى لأصحاب الجنة، وما ساق الله قصَّتهم لنا إلا لنعتبر، ونَتَوَقَّى ما وقع بهم، وقصتهم هي المذكورة في صدر سورة القلم حينما تمالؤوا على حرمان المساكين والفقراء الذين كان يجري لهم منها رزق في حياة صاحب البستان السابق والد المتمالئين على ما ذكر المفسرون من أن والدهم يسير فيها سيرة حسنة، ثم إن بنيه أرادوا خلاف ما عليه والدهم من السيرة الحسنة في هذا البستان وأرادوا حرمان المساكين، فعُوقِبوا بنَقِيض قصْدهم.

ولهذا ورد في حديثٍ رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجذاذ بالليل، والحصاد بالليل".

وهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وما جرى منه مع ابن خالته مسطح بن أثاثة، وهو من المساكين والمهاجرين، وليس له إلا ما يجريه عليه أبو بكر، فلما صار من جملة القائلين في عائشة ما قال، قال أبو بكر: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا بعد هذه المقالة، فالله - تعالى - عفو غفور حليم لطيف بعباده، أنزل الله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22]، فعند ذلك قال أبو بكر: بلى، والله يا ربنا إنا نحب أن تغفر لنا، فأعاد أبو بكر النفقة وما كان يجريه على مسطح.

فهذه فائدة عظيمة، وعظة لمن تأملها من المسلمين، فأبو بكر - رضي الله عنه - معروفٌ بالفَضْل والأيادي على الفقراء والمساكين والأقارب، وأنزل الله فيه أيضًا آية تُتْلى، وهي قوله - تعالى -: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل:17، 18].

ويناسب لموضوعنا هذا ما نقتطفه من بعض صفات الصحابة - رضي الله عنهم - فيما جادت به أنفسهم وأيديهم من النفقات في سبيل الله، وفي وجوه البر، فإنهم بلغوا الذروة العليا والغاية القصوى في جميع خِصال الخير كلها، وزهدهم في الدنيا وهوانها عليهم، وخوفهم من فتنتها؛ لأن لذِكْر الصالحين والأخيار وسماع أخبارهم وأعمالهم تأثيرًا وثمرة تظهر غالبًا في أعمال وأقوال من بلغته أخبار الصالحين.

كما أن لصحبة الأشرار والفُسَّاق تأثيرًا في الأقوال والأعمال، يكتسبها جليسهم ومن سمع بأخبارهم، كما مثل لذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا منتنة)) [متفق عليه].

هذا وإن كنا لم نشاهد أشخاص الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان، ولَم ندركهم، لكنَّنا سمعنا أقوالهم، وتبلغنا أخبارهم، وعلمنا علم يقين عن أعمالهم، وما هم عليه من الصفات الحميدة والأخلاق الجميلة.

فعلى مَنْ مَنَّ الله عليه ووفقه إذا سمع عن أحوالهم وأعمالهم أن يقتديَ بهم فيما يستطيعه، فإنهم - رضي الله عنهم - كل ما تحصلوا عليه من هذه الدنيا أنفقوه في سبيل الله، وفي الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل.

هذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - جاء بماله كله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا عمر بن الخطاب جاء بشطر ماله وأنفقه في سبيل الله، وهذا أبو طلحة - رضي الله عنه - جعل بستانه بيرحاء صدقة للفقراء والمساكين وذوي الحاجات.

وهذان عثمان وعبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - لهما أخبار فيما أنفقاه في سبيل الله، وفي الفقراء والمساكين من الأموال الطائلة التي لا يُصدق بها إلا كل مؤمن.

وهذا أبو الدحداح - رضي الله عنه - جعل بستانه وفيه ستمائة نخلة صدقة لله ولرسوله في سبيل البر.

وهذه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - جاءها ثمانون ألفًا من معاوية، فقسمتها في يومها على الفقراء والمساكين.

وهذا على سبيل الإشارة ولفت الهِمَم للاقتداء بهم، وإلا فلو استقصينا ما تبلغنا عنهم من الأخبار والجود وسخاوة النفس، لبلغ مجلدات.

اللهم وفقنا للعمل لما يرضيك، وجنِّبنا معاصيك، اللهم صلِّ على محمد.

ذكر ما ورد مِنْ جواز إخراج صدقة المرأة على زوجها ومن في بيتها من عائلة إذا كانوا فقراء ومحتاجين:

فقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنها وامرأة أخرى أتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسألانه: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى من تحت أيديهما من عائلة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولِمَ لا تجزئ عنهما؟ لهما أجران: أجر الصدقة وأجر القرابة)).

وفي حديث آخر رواه البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بلفظ مختصر: "أن زينت امرأة ابن مسعود - رضي الله عنه - وعنها - قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلي لي، فأردت أن أتصدقَ به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تُصُدِّق به عليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تُصدِّق به عليهم))".

فالصدقة على القريب إذا كان محتاجًا وأهلاً للصدقة عليه، فهي صدقة وصلة، بخلاف ما إذا كان غير أهلٍ لها، فلا يجزئ دفعها عليه محاباة ولا تصح، وقد ورد عن زينب ابنة أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قلتُ: يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق على ابن أبي سلمة، إنما هم بنيَّ؟ فقال: ((أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقتِ عليهم))؛ أخرجه البخاري في صحيحه.

ذِكْر شيء مما ورد في وجوب صلة الرحم وعقوبة قاطعها:

صِلة الرحم أَكْثَرَ الله - تبارك وتعالى - من ذِكْرها في القرآن الكريم، ووعد واصلها بالفضل العظيم، وغلَّظ في عقوبة مَن قطعها وتهاونَ بها، وتوعَّده بالعذاب الأليم.

مع ما ورد فيها عن نبيِّنا محمدٍ - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - من الأحاديث الكثيرة، والأخبار الصحيحة التي تقشعرُّ منها جلود الخائفين، وتلين لسماعها قلوبُ المؤمنين، وتدمع منها عيونُ المحسنين، لكنَّ القلب القاسي الذي يقوده الهوى والشيطان، ويؤْثِر حبَّ الدنيا وطول الأمل، جعل هذه الآيات والأحاديث والأخبار الواردة في صِلة الرحم وعقوبة قاطعها وراءه ظِهْريًّا، كأنه سوف يخلَّد في الدنيا، أوكأن هذا الوعد والوعيد لم يمرَّ على مسامعه يومًا ما، أو أن موقفه منها عدم التصديق، والعياذ بالله من الأَمْنِ من مكر الله، ومن حلول غضب الله: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر:22].

وروى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الرَّحم شجنة من الرحمن، قال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته))، وفي رواية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرَّحم فأخذت بحَقْو الرحمن، فقال: مِه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما تَرْضينَ أن أصلَ من وصلك، وأقطعَ من قطعك، قالت: بَلَى، قال: فذلك لك))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22 - 23])) [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرحم معلَّقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) [أخرجه البخاري، ومسلم].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من سرَّه أن يبسطَ الله له في رزقه، وأن ينسأَ له في أَثَرِه، فليصلْ رحمَه)) [أخرجه البخاري، والترمذي].

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من سرَّه أن يبسطَ له في رزقه، وينسأ له في أَثَرِه، فليصل رحمَه)) [أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود].

وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة قاطعٌ))، زاد في رواية، قال سفيان: "يعني قاطع رحم" [أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود].

وعن عبدالله بن أبي أَوْفَى - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطعُ رَحِمٍ)) [رواه البيهقي في شُعَب الإيمان]، وعن أبي بَكْرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من ذنبٍ أَحْرَى أن يعجِّلَ الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة من البَغْي وقطيعة الرحم)) [رواه الترمذي، وأبو داود].

وقد وردت أحاديث كثيرة، وآثار صحيحة فيما يتعلَّق بصِلة الرَّحم نكتفي بما أوردناه لمن وفَّقه الله، وأراد الله هدايته.

وبما أن قطعية الرَّحم منتشرة اليوم بين المسلمين بكثرة غالبها من أَجْل حُطام من الدنيا قليل، هم عمَّا قليل عنه ذاهبون ومنتقلون، هذا مع أخيه وأخته، وهذا مع أمه وأبيه، وهذا مع عمِّه وعمته، وخاله وخالته، وابن عمه وقريبه، وإنني لأعجب كيف يتهنون بالحياة؟! أم كيف تنام أعينهم وتطيب لهم اللذات وهم على حالة خطيرة على شفا جُرف من النار؟! عياذًا بالله من الإصرار على كبيرة من كبائر الذنوب.

سألتك بالله يا قاطع الرحم، لو فاجأك الموت وأنت مُصِرٌّ على قطيعة رَحِمك، ما ظنُّك يكون مصيرك عند الله؟! وما تلقى به ربَّك؟! أيدفع عنك مالك الذي قطعت من أجله، أو جاهك، أو رئاستك، أو ولدك، أو شدة بأسك وقساوة قلبك؟! هذا والله - تبارك وتعالى - لك بالمرصاد: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14]، ويقول - تعالى -: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا) [النبأ:21 - 22].

قال بعض العلماء: الْتَمِسْ لهذين المرصادين جوازًا؛ أي: مخرجًا ومنفذًا، وقال الله - تعالى -: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن:33].

فحرصًا مِنَّا، وشفقة عليك أيها المسلم القاطع لرَحِمك، عليك أن تسعى في إرغام نفسك وهواك وشيطانك ما دام الله معطيك في حياتك مُهلة، فعليك أن تصلَ رَحِمَك وتحترمهم وإن جفوك، وإيَّاك أن ترى لنفسك حقًّا، فيقول هواك، وشيطانك، ونفسك الأَمَّارة بالسوء: الحق لي عليهم؛ أنا كذا وكذا، عليك أن تنقذ نفسك من عذاب الله وتجاهدها في ذات الله؛ لعلك أن تلقى الله - تعالى - وليس أحد يطالبك بمظلمة أو حق.

وختامًا:

إليك ما جرى من أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - مع ابن أختها عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - حينما بلغها عنه أنه قال: لأحجرنَّ على عائشة؛ وذلك لأنها - رضي الله عنها - كلما جاءها من هذا المال شيءٌ، أنفقته في وجوه البِرِّ، وقدَّمته لنفسها، فلما بلغها مقالة ابن الزبير، قالت: "لله عليَّ نذرٌ: ألاَّ أكلِّم ابن الزبير أبدًا"، فلمَّا طال هُجْرانها لابن الزبير، وابن الزبير - رضي الله عنه - في هَمٍّ وقَلَقٍ، وضِيق عيشٍ وخوف من الله، وتحرُّجٍ من هذا الهجران والقطيعة، لم تطمئنَّ له نفسٌ منذ حصل منها عليه ما حصل، حتى رمى بنفسه عليها بواسطة رجلين من الصحابة شفعا له عليها، وهما المسور بن مخرمة، وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث - رضي الله عنهما - حتى كلَّمته، وندمت على ما جرى منها، وأعتقت في نذرها أربعين رقبةً.

فرضي الله عن صحابة نبيِّنا؛ ما أخوفهم من الله! وما أرقَّ قلوبهم! ونحن أَوْلى بالخوف منهم، لكن الليل والنهار، والحي والميت لا يستويان، كيف ونحن جمعنا بين إساءة وأَمْنٍ؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله!.

أَمَا عَلِمَ قاطعُ الرَّحم أنَّ قاطع الرَّحم ملعون في كتاب الله المنزَّل، واللعن من الله: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى؟!.

ورُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه في مجلس يحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أحرج على كلِّ قاطع رحمٍ إلا قام من عندنا، فلم يقم أحدٌ إلا شابًّا من أقصى الحَلَقَة، فذهب إلى عمَّته؛ لأنه كان قد صارمها منذ سنين فصالحها، فلمَّا دار الكلام بينها وبين ابن أخيها، قال: إني سمعتُ أبا هريرة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رَحِمٍ)).

وروي عن علي بن الحسين - رضي الله عنه - أنه قال لولده: "يا بُني لا تصحبنَّ قاطعَ رَحِمٍ؛ فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضع".

وعن أبي بردة عن أبي موسى رفعه: ((لا يدخل الجنة مدمنُ خمرٍ، ولا مُصدِق بالسحر، ولا قاطع رَحِم)) [أخرجه ابن حِبَّان، والحاكم].

وفي الأدب المفرد من حديث أبي هريرة يرفعه: ((إن أعمال ابن آدم تُعْرَض كلَّ عشيَّة خميس، ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رَحِم)).

وللطبراني من حديث ابن مسعود: ((إن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم)).

ومن حديث ابن أبي أَوْفَى رفعه: ((إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رَحِم)).

ولنختم هذه الرسالة بشيء من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الموجزة؛ تتميمًا للفائدة:

فمن ذلك: عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: ((كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل)).

وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتك لمرضِك، ومن حياتك لموتك" [رواه البخاري].

وعن أبِي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء ر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مساعدة الفقراء و المساكين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات IARKANI :: المنتديات الإسلامية IARKANI :: المنتدى الإسلامي العام-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
»  برنامج الحماية العملاق افاست 2014 + التفعيل
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد يناير 12, 2014 1:11 pm من طرف 

» برنامج لصيانة الوندوز TuneUp Utilities 2014
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد يناير 12, 2014 12:51 pm من طرف 

» ودعاً للإنتظار سرعة الأنترنت لديك ستصبح صاروخية مع هذا البرنامج
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد يناير 12, 2014 12:47 pm من طرف 

»  حصريا : تصفح مواقعك المفضلة بدون أنترنت مع هذا البرنامج الرهيب
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد يناير 12, 2014 12:44 pm من طرف 

»  لعبة HMS Diptera 2014 بأقل حجم على رابط مباشر
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 5:40 pm من طرف 

» لعبة سباق السيارات Need for Speed
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 5:35 pm من طرف 

»  لعبة سباق السرعة nfs underground 2
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 1:21 pm من طرف 

» AVG 2014 FINAL بنوعيـــــه + التفعيــل متوافق مع WIN 8.1
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 12:50 pm من طرف 

» Avira Internet Security 2014 مع التفعيل +متوافقWIN8.1
 مساعدة الفقراء و المساكين I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 01, 2013 12:26 pm من طرف