تفشي ظاهرة الكذب في المجتمع
أسباب - أنواع - طرق علاج
مقدمة:
وردَت كلمة"الكذب" ومشتقاتها في القرآن أكثر من (283) مرة، صفة الكذب تُطلَق على المنافِق والكافر والمُشرِك
الذين وقفوا ضد الدعوة الإلهية، ويُبيِّن القرآن زَيف ادِّعاء هؤلاء المشركين والمنافقين عن جادة الحقيقة، في المُقابل
يُقوِّي القرآن عزيمة أصحاب الحق بأن كذب هؤلاء(أعداء الدِّين) ليس له أساس بل عاقبتْهم سوء الدار، والذي يُكذِّب
يَظلم نفسه، خاصة الذي يُكذِّب بآيات الله - عز وجل - وبرسُلِه، وهو مريض نفسيًّا، بل ويُعاني مِن أمراض نفسية
أخرى بسبب الاستِمرار بـ"الكذب"، إلا أن الإسلام أباح - وبحدود ضيِّقة - استخدام الكذب مثل حال التَّقِيَّة والخوف مِن
الأعداء؛ كما هو الحال بالنسبة لعمَّار بن ياسر عندما عُذِّب بمكة، وكذلك في حالات حفظ النفس والمال وإصلاح ذات
البَين.
تفشِّي ظاهرة الكذب في المجتمع:
لماذا يَكذِب الصغار؟
يَقلق الكبار مِن كَذِب الأبناء، وقد يلجأ بعضهم إلى مُعاقَبة الصغير على اقترافه "الكذب"، وهم غافلون أنهم هم مِن
أسباب لجوء الصغير إلى الكذب، وقد لا يَلتفت الأب وهو يَكذب في اليوم أكثر مِن مرة، وقد يُبرِّر كذبه أمام ابنه، وقد
يَكذب الصغير خوفًا من العقاب والضرب؛ لذا يلجأ إلى الكذب؛ كي لا يَضربه والده، ويلجأ الصغير إلى الكذب كي
يَلفِت انتباه والديه إليه بعد أن زادا الاهتمام بأخيه الرضيع أكثر، وقد يكون الطفل مُنطويًا على نفسه فيرتكب الكذب
على شكل إنكار وتَستُّر، بينما يَميل الطفل المُنبسِط إلى اختلاق وقائع جديدة أو تشويه للحقائق أو المبالغة فيها.
وقد يكون للمدرسة دور في لجوء التلاميذ والطلبة إلى الكذب، فمثلاً يلجأ بعض المُعلِّمين إلى عقاب الطالب المهمل
بدون معرفة سبب إهماله، فيلجأ التلميذ إلى الكذب هربًا مِن العقاب البدني، أو نتيجة لكثرة الواجبات المنزلية وعدم
قدرته على أداء كل الواجبات، وقد يُفرِّق المعلّم في المعاملة والاهتمام بين طالب وآخَر، فيلجأ الطالب إلى الكذب
والمراوغة كي يَكسب ودَّ مُعلِّمِه وعطفه، وقد يَكذب الطالب بدافع الانتقام أو العداوة أو الغَيْرة مِن خلال اتِّهام الزميل
بالتهمة وغيرها.
الصُّحبَة والشللية في المدارس تدفع الطفل المُبرّز فيها إلى الكذب؛ لحماية الآخرين مِن العقوبة، ودافع الكذب في هذه
الحالة هو دافع الشهامة؛ أي: حماية المذنب من العقوبة، ويكون الشخص الذي يقول الحقيقة جاسوسَ الشِّلَّة، وأنه نمّام
غير شهْم.
لماذا يَكذب الكِبار؟
قد يكون العامل النفسي وراء كذب الكبير؛ فمثلاً يُعاني الكبير مِن عقدة النقص والدونيَّة في الصِّغَر فيُمارس الكذب
صغيرًا وكبيرًا - لا شعوريًّا - لسدِّ هذا النقص، وقد تلجأ الزوجة إلى الكذب لإخفاء مُضايَقة أحد السفهاء لها عن زوجها
كي لا تُثير غيرته وشكوكه، أو أن الأب الذي يُخفي عن أبنائه وضعَه الاقتصادي المتدهور حتى لا يُثير قلقهم، أو
الطبيب الذي يُخفي عن المريض خطورة مرضه، وقد يكذب الكبير نتيجة لعادته على الكذب وعدم وجود وازِع داخلي
يدفعه كي يتخلى عن هذه الصفة الذميمة.
أنواع الكذب:
الكذب الالتِباسي: عندما يَزيد خيال الطفل فلا يُفرِّق بين الواقع والخيال، وقد يكون الطفل يَحلم فيقول ما رآه بالحلم.
الكذب الادِّعائي: يلجأ إليه الأطفال لاستِدرار العطف عن طريق التمارُض والادِّعاء كذبًا بالمرض، كذلك الأطفال
المُدلَّلون منذ الصغر، والذين تغيَّرت معاملة الوالدَين لهم على أساس أنهم لم يعودوا بعدُ أطفالاً صغارًا؛ بل جاوَزوا سنَّ
الطفولة.
كذب الانتِقام:وهو ناتج عن كراهية وحقْد، وقد يحدث هذا النوع بين الإخوة في الأسرة الواحدة بسبب التفرِقة في
المُعامَلة بينهم، كما يحدث نفس الشيء بين التلاميذ نتيجة عامل الغيرة بينهم.
كذب الخوف: سببُه الغشُّ والخِداع؛ يقال: إن (70%) من أنواع سلوك الأطفال ترجع إلى هذا النوع بسبب الخوف مِن
العقوبة.
تقليد الآباء:عندما يكذب الأب أمام الطفل أو يُواعِده بشيء كهدية فلا يفي بوعده، فيُقلِّد الطفل أباه بأن يَكذب هو أيضًا.
الكذب المزمن: يجد الطفل - لا شعوريًّا - نفسه مدفوعًا إلى الكذب؛ بسبب أنه يُعاني شعورًا بالنقص وعدم القبول من
الكبار، وقد يَتجاوز الكذب إلى السرقة.
علاج ظاهرة الكذب:
♦ دراسة كل حالة ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الأنواع، فهل كان الكذب بقصد حماية النفس خوفًا من العقاب؟
أم بقصد حماية صديق والتستُّر عليه؟ أم بقصد الظهور بمظهر لائق؟ أم بقصد تغطية شعور بالنقص؟ هل الكذب
الالتباسي سببه خيال الطفل أو أحلام اليقظة؟ وهل هذه الحالة عارضة أو عادة عند الطفل أو بدافع شعوري أو بدافع
الانتقام؟
♦ توفير الأمان والمحبَّة في نفس الطفل وعدم معاقبتِه إذا كذب.
♦ يجب الوفاء بالعهود مع الأطفال.
♦ دور المدرسة في إتاحة الفُرَص للأطفال المنطويين ليُثبِتوا مهاراتهم وقدراتهم وأنهم قادرون على إنجاز الأعمال.
♦ المساواة في المعاملة بين الأطفال.
♦ عدم الإلحاح على الطفل للبوح بكل الأمور الشخصية؛ مما يدفعه ذلك إلى الكذب.
♦ إعطاء الأمان للطالب ألا يُشهَّر به أمام زملائه.
♦التشجيع والثناء عند قول الصدق.
♦ تعويد الطفل على الاعتراف بالخطأ، ونصْحُه، وغرْس الأخلاق الحميدة في نفسه.